دوره في الخطيئة الأصلية
استغلاله للحيّة بسبب الحسد
لقد كانت الحيّة أكثر الوحوش التي خلقها الله مكراً "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»" (تكوين 1:3).
لاحظوا افتراء الشيطان الماكر ووسائله المخادِعة. لقد رأى الله يضع الإنسان المخلوق في موقع عظيم الشأن لا يقلّ عن الملائكة "أنْقصتَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ ُكَلِّلُتهُ." (مزمور 5:8). هذا الإنقاص قليلاً عن الملائكة سببه الخطيئة الأصلية الناتجة عن عدم الطاعة. لهذا السبب، إن سيد الشر أي الشيطان، كان يغلي من الحسد، لأنّه رأى الملاك الأرضي، أي الإنسان، يُقام على الأرض، فاهتاج حسداً.
سبب الحسد هو أنّه في وقت ما، كان الشيطان ينتمي إلى القوّات السماوية، لكنّه رُمي من أعالي برّه بسبب إرادته المتآمرة، وبسبب حقده المفرِط. فهو يستعمل خداعه الخبيث لكي يجرّد الإنسان من إحسان الله. إن هدف الشيطان، بعد أن جعل الإنسان عاقّاً لله، أن يعرّيه من كل المواهب العظيمة التي منحه إياها الرب بنعمته. ما الذي يفعله الشيطان من بعد؟
إنّه يلجأ إلى أن الحية التي هي الحيوان ألأكثر ذكاءً، بحسب ما يذكر موسى الإلهي: "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ"(تكوين 1:3). مع هذا الحيوان الذي استعمله الشيطان كمتحدّث باسمه، ومن خلال كلامه، أتمّ الشيطان خديعته بإغراء قرص الزهرة الأضعف، أي المرأة.
(GFC 2,410. PG 53,126)
الحيلة الكبرى
بعداستغلاله لهذا الحيوان المغفّل لبناء الحيلة، تحدّث الشيطان إلى المرأة وقال: "أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" (تكوين 1:3). عند هذه النقطة، لاحظوا حجم الجريمة وتفاصيلها. لقد فتح المناقشة بما لم يقله الله، متّخذاً شكل النصيحة والتساؤل متظاهراً بحمايتهما. هذا هو معنى كلامه "كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ" وكأنّ هذا الشيطان الماكر يقول: "لأي سبب يحرمكما الله من هذا الفرح العظيم؟ هذا لأنّه لا يسمح لكما بالمشاركة بثروات الملكوت فيما بالمقابل منحكما فرح النظر إليها؟ إنه يمنعكما من المشاركة في الثروات حتى لا يزيد فرحكما؟ أليس الأمر كذلك؟... هل قال الرب...؟"
لماذا يقول هذا الكلام؟ ما فائدة أن يكون الإنسان في الملكوت إذا كان الله يمنعه من إرضاء ذاته بالخيرات التي هناك؟ خاصّة عندما يزداد حزنه بوجود الرؤية والحرمان من الإشباع الذي يكون بتذوّق الثمرة؟
منهذه المحاولة، كان على المرأة أن تفهم حجم جنونه وأنّه يذكر حقائق غير موجودة لهدف ما. كان عليها أن ترى أنّه يظهِر نفسه كحارس لكي يصل من الوصايا التي أعطاهما إياها الله، إلى هدف واحد هو إغراؤهما على عصيان هذه الوصايا.
(GFC 2,412.PG 53,126)
شر الشيطان
فلنسمع جواب المرأة للحية عندما قالت "أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟". فقد أجابت المرأة: "مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ،وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَ" (تكوين 2:3-3). أترون الجناية؟ لقد قال شيئاً غير صحيح ليعلَم الحقيقة، بعد أن أوقعها في الشرك خلال المحادثة. سوف ترون أن بعد هذا، وقد صدّقت المرأة أن الحية ظهرت كصديق، تشجّعت وكشفت لها كل الوصية مخبرة إياها كل شيء بمنتهى الدقة. وبقولها كل شيء في جوابها جرّدت نفسها من كل الأعذار.
أيتها المرأة! ما الذي قلتيه من نفسك؟ الرب قال: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تكوين 16:2-17). كان ينبغي بك الابتعاد عن الحيّة لأنها قالت العكس وكان ينبغي بك أن تقولي لها "ابتعدي عنّي. أنتِ لا تعرفين قوة الوصية المعطاة لنا، ولا قدر الفرح ولا وفرة المنحة. أنتِ قلتِ أنّ الرب أوصانا بألاّ نأكل من ثمار أيّ من الأشجار. بينما الله الرب، بسبب عظمة إحسانه، بعد أن أعطانا الفرح والسلطة، أوصانا بأن نمسِك فقط عن شجرة واحدة. وهذا بسبب عظمة اهتمامه بنا، حتى لا يتسلّط الموت علينا لاشتراكنا في الخطيئة".
لو كانت المرأة مقرّة بالجميل، لكانت تخلّصت منه نهائياً بهذه الكلمات بدل متابعة المناقشة والاستماع إلى كلماته. لكن عوضاً عن هذا، بعد أن كشفت له الوصية وأخبرته كلّ ما قاله الله لهم، قبلت منه نصيحة مأساوية مميتة. مجدداً نصحها عدو خلاصنا بعمل عكس ما قاله ربنا، عندما قالت للحية: "يمكننا أن نأكل من ثمر كل أشجار الجنّة ما عدا ثمر الشجرة التي في وسطها، فقد قال الرب بأن نمسك عن أكلها حتى لا نموت". فالله منع الإنسان عن الاشتراك بهذه الشجرة حتى لا يصبح قابلاً للموت بسبب عصيانه، لأنّه يحبّه ويهتمّ به كثيراً. عندها قال الشيطان للمرأة: "لا لن تموتا!" أيّ عذر يمكن قبوله من المرأة التي قبلت أن تسمع هذه الكلمات؟ عندما قال الرب "...لا تلمسا حتى لا تموتا"، الحية قالت "لن تموتا".
الافتراء على الله
ماهو فوق هذا، ولكونه لا يرغب فقط بالوقوف في وجه الله، فهو يفتري عليه لكي يظهره خبيثاً، وبهذا يحقّق حيلته. فبعد أن أسقط المرأة، أتمّ هدفه. قال: "لا! لن تموتا، لأنّ الله يعرف بالحقيقة أنكم يوم تأكلون تتفتّح أعينكما وتصيران كالآلهة تعرفان الخير والشر". هذا هو كامل الشرك.
شرك مساواة الآلهة
بعد أن ملأ الكأس بالسمّ القاتل، قدّمه للمرأة. وهي عند هذه النقطة فضّلت عدم رؤية المحتوى المميت لأنّها، طبعاً لو أرادت، لكانت عرفتها منذ البداية. ولكن، بعد أن سمعت الشيطان يقول أن سبب منع الله للأكل من الثمر هو حتى لا تتفتّح أعينهما ويصيرا كالآلهة يعرفان الخير والشر، فقد امتلأت زهواً على رجاء مساواة الإله. لقد تخيّلت لنفسها أموراً كبيرة في المستقبل.
هذه هي مكائد العدو. عندما يرفع أحداً باستعمال الخداع، يعود فيسقطه بعنف إلى قعر الهاوية. عندما تخيّلت مساواة الألوهة، أسرعت إلى أكل الثمر ووجّهت عقلها وأفكارها نحو هذا العمل. لم تفكّر بأي شيء غير كيفية الشرب من الشراب الذي قدّمه إليها الشيطان الشرير.
لماذا عوقبَت الحيّة وليس الشيطان؟
قد يستطيع البعض أن يقول: "بما أن الشيطان هو مَن تصرَّف من خلال الحيّة وأعطى نصيحته، لماذا عوقب هذا الحيوان؟" هذا أيضاً مثال آخر عن رحمة الله غير المتناهية نحو الإنسان. فقد عمل خالقنا المحبّ تماماً مثل أبٍ رقيق حريص يعاقب قاتل ابنه، ويبيد السكين والسيف اللذين استعملا في قتله، بتقطيعه إلى قطع صغيرة.
بماأنّ هذا الحيوان خدم في خديعة الشيطان مثل سكين للقتل، فقد أمره الرب بالعقاب المتواصل. هذا لكي نعرف، عند رؤيتنا هذا الحيوان المنظور المدرَك حسياً، ونفهم مدى العقاب المفروض عليه. إذا كانت الحيّة، التي استُعملَت كمجرّد أداة، تلقّت هذا الغضب، فأي عقاب يكون للشيطان؟ ربّما، هذا هو ما علّمنا إياه ربنا يسوع المسيح من خلال كتابه المقدّس، عندما تكلّم مع الذين عن يساره قائلاً: "إذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة للشيطان وملائكته" (متى 41:25).