البابا يؤانس السابع عشر
سيامته بطريركًا
في الوقت الذي كانت فيه مصر والمصريون يئنّون تحت وطأة الفتن والقلاقل من
جانب المماليك تجاه الأتراك، ومن السخط الذي ساد الرعية، ومن تعسف جمع
الضرائب التي فرضت لأول مرة على الأساقفة والرهبان والكهنة، تشاء العناية
الإلهية أن تجتمع كلمة الشعب والإكليروس على راهب اسمه "عبد السيد" من دير
أنبا بولا. وهو أصلاً من ملوي انضم إلى مجمع رهبان أنبا أنطونيوس، ضمن
الأربعين الذين اختارهم البابا يوأنس السادس عشر لتعمير دير أنبا بولا،
وألبسه أنبا بطرس السادس البابا الراحل الإسكيم ورسمه قسًا.
رسموه بطريركًا للكرازة المرقسية في كنيسة القديس مرقوريوس أبو سيفين
كالعادة آنذاك باسم "يوأنس السابع عشر" وذلك بعد ما يقرب من ستة شهور من
نياحة البابا بطرس السادس، وكان ذلك في أواخر مدة السلطان أحمد.
عند سيامته منع عادة استلام الصليب من يد البطريرك السلف الميت، لأنه فزع من الموقف.
سيامة مطران لأثيوبيا
في سنة 1743م أرسل إمبراطور أثيوبيا وفدًا للبابا يوحنا عقب وفاة
خيرستوذولو مطران أثيوبيا، طالبًا منه أن يعين أحدًا. وكان الوفد مؤلفًا
من قبطي يدعى جرجس وأثيوبيين هما تواضروس وليكانيوس. إذ بلغوا إلى مصوع
قبض عليهم الحاكم وسلب نصف أموالهم وأكرههم على الإسلام، فاختفى القبطي
أما تواضروس فرشى بالمال وتمكن من الوصول إلى القاهرة، وطلب من البابا
سيامة مطران لبلاده.
أجاب البابا الطلب وسيم المطران عام 1745م. وعاد الاثنان لكن حدث لهما في
مصوع ما حدث للوفد عند مجيئه من أثيوبيا فأُلقيَ الاثنان في السجن. استطاع
تواضروس بحيلة أن يسهل للمطران الفرار، وبقى هو في السجن حتى طلب مالاً من
بلاده دفعه فدية عن نفسه.
غرامة فادحة
فى أيّامه اشتدت الضيقة على المسيحيين، ففرضت غرامة فادحة لم يعف منها
أحد، وبسببها بيعت الجواهر الكريمة بأثمان بخسة. التزم الكهنة والرهبان
والصبيان والفقراء بدفعها.
التدخل العلني للكنيسة الكاثوليكية
زاد الأمور سوءً التدخل العلني للكنيسة الكاثوليكية، إذ أسس الحبر
الروماني إكليمنضس الثاني عشر تسعة مراكز لأتباعه في أسيوط وأبوتيج وصدفا
وأخميم وجرجا والأقصر وأسوان وحتى النوبة في وقت واحد، وكان هدفهم جذب
أطفال القبط إلى مدارسهم وإرسالهم في بعثات مجانية إلى روما. وصرفوا ببذخ
على الطلبة في مدارسهم في وقت كان الأقباط يرزحون تحت ثقل الضرائب
والتعسف، هذا بالإضافة إلى أن الأجانب كانت لهم امتيازات خاصة في مصر
كأنهم "دولة داخل دولة"، لهم نظامهم الخاص وطرق حياتهم الخاصة، ولا يجرؤ
أحد من الحكام أن ينتهرهم أو يوجه لهم أي لوم أو إهانة، إذ أن لهم الأمر
من السلطان العثماني. وبالتالي كانت لمن ينطوي تحت لوائهم نفس الامتيازات
مما دفع بعض شباب الأقباط إلى ترك الكنيسة الأم والانضمام لكرسي روما.
لأول مرة نسمع عن الخلاف الأسري بسبب الزواج المختلط بين الأرثوذكس
والكاثوليك، ويقف الآباء ضد الأبناء والأبناء ضد الآباء، وظهرت الشكوى من
الإرث والتركات وتعدي الكهنة اللاتين على الكنيسة الأم، مما دفع البابا
القبطي إلى رفع الأمر للدولة، فانعقدت محكمه شرعية عليا حضرها شيوخ
المسلمين في مصر ورأس الكنيسة القبطية وتمثلت الكنيسة الرومانية، وتحررت
حجة من المحكمة الشرعية تسلمها البابا مؤداها: "أن كل من خالف ملته وكان
قبطيًا وانتقل من ملة الأقباط إلى مله الإفرنج وثبت ذلك عليه بالوجه
الشرعي يكون على الأمراء... إخراج من ينتقل من النصارى اليعاقبة القبطية
إلى مله الإفرنج وتأديبه بما يليق بحاله، زجرًا له ولأمثاله".
رسم بنديكتس الرابع عشر الروماني قسًا قبطيًا كاثوليكيًا كان بالقدس يدعى
أثناسيوس مطرانًا سنة 1741م على مصر، غير أنه لم يحضر إليها بل بقيَ كل
أيام حياته بأورشليم. وكان نائبه في مصر قس يسمى يسطس المراغي.
ومن أشهر من استمالوهم في أواخر القرن الثامن عشر شاب قبطي اسمه روفائيل
الطوخي من أهالي جرجا، أخذه الكاثوليك وهو صغير وأرسلوه ليدرس اللاهوت في
روما، وبعد إتمام دراسته سامه الأسقف الروماني أسقفًا على أرسينو
(بالفيوم). حرمته الكنيسة القبطية، وأذ نقم عليه المسلمون استدعاه الأسقف
الروماني إليه في روما ثانية ليساعده في تأليف كتب باللغة القبطية وتنقيح
كتب الطقوس الكنسية، وعاش فيها حتى مات عام 1807م.
جاهد بابا القبط بكل الطرق ليحفظ أولاده داخل حظيرة أمهم القبطية
الأرثوذكسية، بل وقام بزيارة رعوية إلى تلك البلاد التي أقيمت فيها مقار
لكنيسة رومية وساند كهنته ووعظ شعبه بالإضافة إلى إرساله باستمرار للتشديد
على حفظ الأبناء من غواية الانحراف بالإيمان. وأيّد أقواله بكتب في
العقيدة وضرورة المحافظة على الإيمان "المسلم مرة للقديسين". وكان يركز في
كل موضوعاته على كنيسة الشهداء الذين سفكوا دمهم حفظًا للإيمان المستقيم،
وأن عمانوئيل الله الذي معنا أكثر بكثير من الذين علينا، وأن ضيقات الدهر
الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن، وأن الضيقات طريق لدخول
الأمجاد السمائية، وأن هذه الضيقات مهما كانت ضيقات مادية ووقتية، ومن
"يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص"، حتى نجح إلى حد كبير بنعمة الروح القدس أن
يحفظ الوديعة. ومن أشهر المخطوطات التي لازالت لدينا منذ رئاسة هذا البابا
الجليل للكنيسة: مزامير الأجبية، والوصايا العشر، والأسرار السبعة،
والنصائح الإنجيلية.
بعث المندوب البابوي الروماني بالقطر المصري رسالة إلى جماعة الكاثوليك
الذين كانوا جميعهم في الصعيد، وذلك تنفيذًا للمعاهدة التي تمت بينه وبين
بطريرك الاقباط سنة 1794م. عند معتمد دولة النمسا، جاء فيها:
1.للمتزوجون من الفريقين حرية اختيار الصلاة بأية كنيسة، قبطية أو كاثوليكية.
2.من الآن فصاعدًا لا يجوز أن يتزوج الأقباط من الكاثوليك أو العكس.
3.لا يدخل قسوس كاثوليك بيوت الأرثوذكس ليكرزوا لهم ولا قسوس الأرثوذكس بيوت الكاثوليك.
4.لا ينبغي إرغام أي أحد ليصلي بكنيسة معينة، بل يترك لكل واحد حق اختيار الكنيسة التي يحبها.
5.لا يصح فيما بعد إذا حدث خلاف أن يُرفع الأمر إلى رجال الحكومة بل إلى الرؤساء من الكنيستين ولهم حق مقاصة المعتدي.
من الأحداث الغير عادية التي عاصرتها الكنيسة في حبرية البابا يوأنس
السابع عشر إظلام الشمس في رابعة النهار وظهور النجوم حتى ظن الناس أن
القيامة العامة أصبحت على الأبواب، حتى عاودت الشمس ظهورها بعد حوالي
الساعتين. وفيها أيضًا حريق كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم مساء أحد
القيامة ورغم نجاح الوالي وجنده في إطفائها إلا أن الرعاع نهبوا ما وصلت
إليه أيديهم تحت دعوى إطفاء الحريق.
من رجال الكنيسة والدولة
من رجال الكنيسة والدولة في ذلك العصر من وثق بهم الولاة وكبار المسلمين
واستأمنوهم على أسرارهم وأسرهم وأموالهم، المعلم جرجس السروجي الذي بنى
كنيسة في دير الأنبا بولا على نفقته الخاصة، وصحب الأنبا بطرس السادس ومن
معه لتكريسها.
والمعلم نيروز والمعلم رزق الله البدوي والمعلم بانوب الزفتاوى، الذين قيل
عنهم أنهم فكوا أسر الكثيرين من المسجونين نتيجة ديونهم، أو الذين عجزوا
عن دفع الجزية.
والمعلم لطفي النطروني ومنهم أيضًا أبو سالم النصراني الطبيب الفصيح الذي
كان يأنس السلاطين بالجلوس إليه، لعذوبة أقواله وحلاوة منطقه وغيرهم،
كثيرون ممن لم ينسَ الله تعب محبتهم.
انتهت حبرية البابا الخامس بعد المائة سنة 1745م بعد صمود ضد الحروب
الشيطانية الخارجية والداخلية، وبعد أن كان الربّان الماهر لكنيسة الله في
فترة الطوفان التي عاصرها، ودخل إلى الفردوس بعد أن جلس على الكرسي
المرقسي ثمانية عشر سنة وبضعة أشهر
البابا مرقس السابع
رفع المؤمنين من الأرض إلى السماء!
اسمه سمعان، ترك العالم ودخل دير الأنبا بولا أول السواح ورسمه البابا
يوأنس السابع عشر قسا لما امتاز به من الرحمة وحب الخير للجميع وعذوبة
الصوت وفصاحة المنطق، فكان عندما يصلى يرفع المؤمنين من الأرض إلى السماء
فيتمتعون بتسبيح السيرافيم مؤكدًا ما جاء في القداس الأغريغوري: "اقبل منا
نحن أيضًا تسبيحنا مع غير المرئيين، احسبنا مع القوات السمائية".
سيامته بطريركًا
بعد مرور أربعين يوما على نياحة البابا يوأنس السابع عشر كانت الآراء قد
اتفقت على اختياره ليصبح البابا السادس بعد المائة باسم "مرقس"، وذلك في
ذكرى دخول السيد المسيح له المجد أرض مصر.
ولان مرقس هذا كان رجل صلاة ولم يكن ممن اختبروا مرارة الحياة وضنكها فقد
تركته العناية الإلهية لمدة عامين لكي يتبلور ويؤهل لمواجهة الصعاب
والضيقات، وفعلا بعد عامين من هدوء نسبى ساد عصره التقى فيها بشعبه فعرفهم
وعرفوه وصلى معهم وعنهم وصلوا معه وعنه لكي يؤازره الله ثم بعدها تبدد
السلام بفتنه بين الأمراء والعسكر المماليك استمرت 8 شهور.
أول أسقف على "الشعب القبطي الكاثوليكي"
حالما انتهت الضيقة الخارجية بدأت الضيقة الداخلية إذ بادر الكاثوليك برسم
أول أسقف على "الشعب القبطي الكاثوليكي"، ومن سخريات القدر أن رسموه باسم
"أثناسيوس" وأقام هو في أورشليم، وأقام نائبا عنه في مصر اسمه "يسطس
المراغي".
كتاباته
وسط هذا وذاك يسهر الراعي على رعيته من الذئاب الخاطفة فتظهر لنا كتابات
أصيلة عنه: المعمودية وشروط الاعتراف والتوبة وتفسير الوصايا وتطهير القلب
والصوم والصلاة وفائدة حضور القداس الإلهي وموضوعات عن الموت والقيامة
ونهاية الأيام وعن الجحيم وعذاباته. كما انه لأول مره يظهر كتاب "الخدمات
الكنسية" وفيها القراءات على جرن المعمودية والقراءات على المرأة التي تلد
ابنًا والتي تلد ابنة والصلوات من أجل الموعوظين. وهكذا كانت العظات
والرسائل البابوية والكتب الطقسية زادا يملأ النفوس بهجة وسرور وسط آلام
الدهر.
نياحته
في كنيسة العذراء بالعدوية حيث كان يحلو له البقاء التقت روحه مع أرواح
السمائيين يوم تذكار جند رئيس جند السمائيين الملاك ميخائيل وعيد استشهاد
العفيفة دميانة وذلك سنة 1770م. وقد ظهر ساعة نياحته القديسان المضيئان في
الأرض والسماء أنبا بولا وأنبا أنطونيوس، وذلك بعد حوالي ربع قرن من جهاده
على الكرسي المرقسي.
العجيب أن هذا البابا الصبور الذي عرف بالروح ساعة انتقاله من هذا العالم،
رأى بثاقب فكره ألا يترك الكنيسة في حرج بعد نياحته، فأوصى أنبا بطرس
مطران جرجا وهو كبير مطارنة الوجه القبلي على شعبه، مؤتمنًا إياه على
الرعية لحين اختيار من يخلفه
البابا يؤانس الثامن عشر
ارتفع الراهب يوسف الأنطوني إلى رأس الكنيسة المنظورة، في
مصر وأثيوبيا والشرق الأوسط باسم أنبا يوأنس الثامن عشر، وذلك لما عرف عنه
من طلاقة اللسان وعذوبة الصوت والمحبة الغامرة، وحب الخير للغير والسيرة
العطرة والحياة الملائكية، وكانت سيامته بالإجماع بعد ستة أشهر تقريبًا من
نياحة البابا مرقس السابع.
في عصر هذا البابا البسيط نسمع لأول مرة نمو المذاهب والطرق الصوفية، وهذا
الاتجاه الديني له تفسيران: إما أنه هروب من الواقع والانطواء في قوقعه
خاصة مع فئة أو جماعة تختار لها طريق حياتها ومظاهرها بعيدا عن أرض
الواقع، أو أنه نوع من الهلوسة الدينية.
ومن عجب أن نجد أن الحكام يشجعون مثل هذه الطرق كوسيلة للهو الناس عن
مساوئ الحكم واتجه الناس للغناء الشعبي، وتباروا في تقديم الموشحات
والعروض، ومن ضمنها الفروسية ورقص الخيل والألعاب النارية، وانشغل الجميع
عن الدولة العثمانية بمفاسدها وعن الفتن والمؤامرات.
من أشهر رجالات الكنيسة في هذا العصر المعلم نيروز كاتب رضوان كتخذا الذي
نجح في الحصول على فتوى صريحة من الشيخ الشبراوي شيخ الإسلام بحق الأقباط
في زيارة الأماكن المقدسة، وكانت هذه الفتوى سببًا في ضيق المسلمين
وتعسفهم مع الأقباط. وكانت مظاهر ذلك تحريم ركوب الخيل عليهم وتحريمهم
استخدام المسلمين في خدمتهم. ووسط هذا وذلك تحمُّل الكنيسة نيرها وتلقي
بثقلها في أحضان الآب السماوي، معلنة مع المرنم الذي يقول: "نصيبي هو الرب
قالت نفسي".
أرسل الحبر الروماني رسولاً راهبًا اسمه "برثلماوس" يطلب من البابا
السكندري الانضواء تحت لواء الكرسي الروماني لحماية الكنيسة القبطية من
بطش حكام وولاة الدولة العثمانية، ناسين أو متناسين أن حامي الكنيسة هو رب
المجد وأنه "مبارك شعبي مصر" وأن "أبواب الجحيم لن تقوَ عليها". وقابل
البابا الرقيق رسول العاهل الروماني بأدبٍ جم ومحبة متناهية، وأرسله
بمندوبه إلى أنبا يوساب الأبح أسقف جرجا الذي طلب منه البابا أن يرد على
رسالة الحبر الروماني بالرفض في أدب رفيع. وقد رد عليه ردًا حازمًا حاسمًا
قاطعًا لكل شك، مؤيدًا بأقوال الآباء الكبار وقرارات المجامع المسكونية
التي أكدت الطبيعة الواحدة للإله الكلمة المتأنس، وكان لهذه الرسالة رد
فعل عجيب إذ توقف بعدها العاهل الروماني عن إرسال مبشرين إلى مصر، تلك
البلد الذي حباها الله هذا الإيمان العميق والتفسير اللاهوتي الدقيق.
صراعات سياسية
أما أحوال مصر في أثناء حبرية البابا يوأنس الثامن عشر فقد كانت سلسلة من
الصراعات بين أتباع على بك الكبير والسلطان. وإن نجح السلطان العثماني عبد
الحميد الأول في إخضاع مكة بحملة قادها أبو الذهب كما قادها على دمشق، إلا
أن علي بك الكبير نجح في استمالة أبو الذهب وانضم إليه عند الصالحية،
وبعدها مات علي بك الكبير دون أن يحقق حركته الانفصالية عن الدولة
العثمانية، لأنه لم يشغل طاقات الشعب المصري الذي كره حكام الأتراك، وإن
كان قد نجح على بك الكبير دون قصد في إزكاء الوطنية في المصريين، إذ تطلعت
أنظارهم إلى استقلال مصر عن الحكم العثماني، وأشهر مظاهر استقلاله أنه صك
النقود باسمه.
أراخنة القبط
من أشهر الأراخنة القبط في ذلك العصر المعلم غبريال شنودة الذي كان وكيلاً
لسلطان دارفور ومكلفًا بتجهيز الكسوة الشريفة لإرسالها لمكة كل عام.
والمعلم رزق الذي ائتمنه على بك الكبير على صك النقود.
والمعلم إبراهيم الجوهري محب الكنيسة وعمارتها في وقت اشتد فيه حسن باشا
التركي على القبط، وأمرهم بعدم ركوب الخيل وعدم استخدام المسلمين، وعدم
بناء عمارات فخمة أعلى من المسلمين، ولا يلبسون ملابس زاهية، ولا يحملون
اسمًا مشتركًا مع المسلمين.
ومنهم أيضًا المعلم رزق أغا المتضلع في الحساب والفلك والتعاليم الكنسية،
وكان نزيهًا خادمًا للكل، اعتمد عليه على بك الكبير في تسيير دفة الأمور،
وكان مسئولاً عن المحافظة على النظام في مديريه الشرقية، ونجح في القضاء
على العابثين والناهبين في تلك البقاع. وارتفع شأن النصارى في عهد على بك
الكبير بفضل كاتبه رزق ومساعده المعلم إبراهيم الجوهري، الذي اغتاله محمد
بك أبو الدهب رغم خدماته الجليلة، وعلق جثته على باب زويلة يومين.
والأرخن الكبير المعلم لطف الله أبو شاكر ناظر دير كوكب البرية أنبا
أنطونيوس، الذي بنى كنيسة الرسل ورمم كنيسة أنبا مرقس وقام البابا
بتكريسها، والمعلم تكلا سيداروس والمعلم ميخائيل فرحات.
من الأساقفة المشهورين أيضًا بالإضافة إلى أنبا يوساب الأبَحْ أنبا بطرس
أسقف منفلوط الذي وضع كتابًا خاصَا بتكريس الكنائس، والقس عطية صاحب الصيت
الحسن والخط، الذي نسخ معظم الكتب لينفق الرهبان من بيعها على احتياجات
الدير واحتياجاتهم.
ظل هذا البابا الوقور مجاهدًا في حفظ كنيسة الله من المتاعب الداخلية،
ممثلة في هجمات الغوغاء والرعاع على الكنائس والأديرة، والتعب الخارجي
ممثلاً في كنيسة روما، والأسقف الروماني المُرسل إلى مصر، حتى أسلم روحه
الهادئة في يد باريها سنة 1797م، بعد جهاد دام ما يزيد على الربع قرن،
ودفن في مقابر البطاركة في مصر القديمة.